فصل: فائدة جليلة وفريدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

قال صاحب المنتخب: والفرق أن الرهبة عبارة عن الخوف، وأمّا الاتقاء فإنه يحتاج إليه عند الجرم بحصول ما يتقي منه، فكأنه تعالى أمرهم بالرهبة لأجل أن جواز العقاب قائم، ثم أمرهم بالتقوى لأن تعين العقاب قائم، انتهى كلامه.
ومعنى جواز العقاب هناك وتعيينه هنا: أن ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ظاهره أنه من المعاصي التي تجوز العقاب، إذ يجوز أن يقع العفو عن ذلك، وترك الإيمان بما أنزل الله تعالى، وشراء الثمن اليسير بآيات الله من المعاصي التي تحتم العقاب وتعينه، إذ لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك، فقيل في ذلك: {فارهبون} وقيل في هذا: {فاتقون} أي اتخذوا وقاية من عذاب الله إن لم تمتثلوا ما أمرتكم به.
والأحسن أن لا يقيد ارهبون واتَّقون بشيء، بل ذلك أمر بخوف الله واتقائه، ولكن يدخل فيه ما سيق الأمر عقيبه دخولًا واضحًا، فكان المعنى: ارهبون، إن لم تذكروا نعمتي ولم توفوا بعهدي، واتقون، إن لم تؤمنوا بما أنزلت وإن اشترتيتم بآياتي ثمنًا قليلًا. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية.
جاء في هذه الآية بصيغة خطاب الجمع في إفراد والجمع في شيء واحد: أن معنى ولا تكونوا أول كافر أي أول فريق كافر، فاللفظ مفرد والمعنى جمع فيجوز مراعاة كل منهما، وقد جمع اللغتين قول الشاعر:
وإذا هم جاعوا فشر جياع ** فإذا هم طعموا فألأم طاعم

وقيل هو من إطلاق المفرد وإرادة الجمع كقول ابن علفة:
وكان بنو فزاره شر عم

كما تقدم قريبا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}.
الإشارة أن يقرن العبد إيمانه من حيث البيان بإيمانه من حيث البرهان، وجمهور المؤمنين لهم إيمان برهان بشرط الاستدلال، وخواص المؤمنين لهم إيمان من حيث البيان بحق الإقبال، وأقبل الحق سبحانه عليهم فآمنوا بالله، وآخر أحوالهم الإيمان من حيث العيان، وذلك لخواص الخواص.
ولا تكونوا أول كافرٍ به، ولا تَسُنُّوا الكفر سُنَّةً فإن وِزْرَ المبتدئ فيما يَسُنُّ أعظم من وزر المقتدي فيما يتابع.
{وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا} لا تؤثروا على عظيمِ حقي خسيسَ حظِّكم.
{وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ} كثيرٌ من يتقي عقوبته وعزيز من يهاب اطلاعه ورؤيته. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَءَامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ}.
قال ابن عرفة: الظّاهر أن المراد به تصديق الرّسل والإيمان بهم والمراد بقوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي} الإيمان بالله وتوحيده.
والعهد يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قيل لابن عرفة: الإيمان بالرسل يستلزم التوحيد؟
فقال: الصحيح أن التوحيد واجب بالعقل لا بالسمع.
فقال الطيبي: هذا من عطف الخاص على العام أو من عطف الأخص على الأعم لأن الوفاء بالعهد مطلق.
قوله تعالى: {وَلاَ تكونوا}.
دليل لمن يقول: إن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده، لأنه داخل في ضمن قوله: {وَءَامِنُواْ}.
قال ابن عطية: وهذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمها واحد.
قال ابن عرفة: بمعنى أنه يدل بمفهوم الموافقة، وهو مفهوم أحرى على النهي على كفرهم على الإطلاق.
قال ابن عرفة: ليس هذا مفهوم الموافقة وإنّما هو فهم مثل الحكم المنطوق به في المسكوت عنه، ذكره ابن التلمساني في المسألة السابعة من باب الأوامر ونسبه إلى ظن وقطع.
قال الزمخشري: ومعنى الآية: ولا تكونوا مثل أول كافر به.
قال ابن عرفة: إنما قال ذلك لأن كفرهم به قد وقع في الوجود إما قبل كفر غيرهم أو بعده، فالنهي عنه من تكليف ما لا يطاق وهو عنده غير جائز فلذلك قدر المضاف.
قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}.
عظم الآيات بالجمع والإضافة إليه إضافة تشريف وحقر الثمن بالإفراد، والوصف بالقلة، فهو حقير في قدره وفي صفته. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ} عطف على ما قبله، وظاهره أنه أمر لبني إسرائيل، وقيل: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه علماء اليهود ورؤسائهم فهو أمر لهم، وأفرد سبحانه الإيمان بعد اندراجه في {أَوْفُواْ بِعَهْدِى} [البقرة: 0 4] بمجموع الأمر به والحث عليه المستفاد من قوله تعالى: {مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ} للإشارة إلى أنه المقصود، والعمدة للوفاء بالعهود، وما موصولة، و{أُنزِلَتِ} صلته والعائد محذوف أي أنزلته ومصدقًا حال إما من الموصول أو من ضميره المحذوف.
واللام في {لَّمًّا} مقوية، والمراد بما أنزلت القرآن وفي التعبير عنه بذلك تعظيم لشأنه والمراد بما معكم التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرار المراجعة إليها والوقوف على تضاعيفها المؤدي إلى العلم بكونه مصدقًا لها، ومعنى تصديقه لها أنه نازل حسبما نعت فيها، أو مطابق لها في أصل الدين والملة أو لما لم ينسخ كالقصص والمواعظ وبعض المحرمات كالكذب والزنا والربا أو لجميع ما فيها والمخالفة في بعض جزئيات الأحكام التي هي للأمراض القلبية كالأدوية الطبية للأمراض البدنية المختلفة بحسب الأزمان والأشخاص ليست بمخالفة في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث إن كُلاّ منها حق في عصره متضمن للحكمة التي يدور عليها فلك التشريع، وليس في التوراة ما يدل على أبدية أحكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها بل إن نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها وانتهاء وقتها الذي شرعت للمصلحة فيه وليس هذا من البداء في شيء كما يتوهمون، فإذن المخالفة في تلك الأحكام المنسوخة إنما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتقدم، ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم، وإلى ذلك يشير ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال حين قرأ بين يديه عمر رضي الله تعالى عنه شيئًا من التوراة: «لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي» وفي رواية الدرامي: «والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حيًا وأدرك نبوتي لاتبعني» وتقييد المنزل بكونه مصدقًا لما معهم لتأكيد وجوب الامتثال فإن إيمانهم بما معهم يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعًا، ومن الناس من فسر المنزل بالكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم وما معهم بالتوراة والإنجيل، وليس فيه كثير بعد إلا أن البعيد من وجه جعل مصدقًا حالًا من الضمير المرفوع والأبعد جعل ما مصدرية، ومصدقًا حال من ما الثانية، وأبعد منه جعله حالًا من المصدر المقدر.
{وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي لا تسارعوا إلى الكفر به فإن وظيفتكم أن تكون أول من آمن به لما أنكم تعرفون حقيقة الأمر وحقيته وقد كنتم من قبل تقولون إنا نكون أول من يتبعه فلا تضعوا موضع ما يتوقع فيكم، ويجب منكم ما يبعد صدوره عنكم ويحرم عليكم من كونكم أول كافر به.
وأول في المشهور أفعل لقولهم: هذا أول منك ولا فعل له لأن فاءه وعينه واو.
وقد دل الاستقراء على انتفاء الفعل لما هو كذلك وإن وجد فنادر.
وما في الشافية من أنه من وول بيان للفعل المقدر.
وقيل: أصله أوأل من وأل وأولا إذا لجأ ثم خفف بإبدال الهمزة واوًا ثم الإدغام وهو تخفيف غير قياسي، والمناسبة الاشتقاقية أن الأول الحقيقي أعني ذاته تعالى ملجأ للكل، وإن قلنا وأل بمعنى تبادر فالمناسبة أن التبادر سبب الأولية، وقيل: أوأل من آل بمعنى رجع، والمناسبة الاشتقاقية على قياس ما ذكر سابقًا، وإنما لم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع، وقال الدريدي: هو فوعل فقلبت الواو الأولى همزة، وأدغمت واو فوعل في عين الفعل، ويبطله ظاهرًا منع الصرف وهو خبر عن ضمير الجمع، ولابد هنا عند الجمهور من تأويل المفضل عليه بجعله مفردًا للفظ جمع المعنى أي: أول فريق مثلًا أو تأويل المفضل أي لا يكن كل واحد منكم، والمراد عموم السلب كما في {لاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ} [القلم: 0 1] وبعض الناس لا يوجب في مثل هذا المطابقة بين النكرة التي أضيف إليها أفعل التفضيل وما جرى هو عليه بل يجوز الوجهان عنده كما في قوله:
وإذا هم طعموا فالأم طاعم ** وإذا هم جاعوا فشر جياع

ومن أوجب أول البيت كالآية ونهيهم عن التقدم في الكفر به مع أن مشركي العرب أقدم منهم لما أن المراد التعريض فأول الكافرين غيرهم أو ولا تكونوا أول كافر من أهل الكتاب، والخطاب للموجودين في زمانه صلى الله عليه وسلم بل للعلماء منهم، وقد يقال الضمير راجع إلى ما معكم والمراد من لا تكونوا أول كافر بما معكم لا تكونوا أول كافر ممن كفر بما معه ومشركو مكة وإن سبقوهم في الكفر بما يصدق القرآن حيث سبقوا بالكفر به وهو مستلزم لذلك لكن ليسوا ممن كفر بما معه، والفرق بين لزوم الكفر والتزامه غير بين إلا أنه يخدش هذا الوجه، إن هذا واقع في مقابلة {بِمَا أَنزَلَ أُنزِلَتِ} فيقتضي اتحاد متعلق الكفر والإيمان، وقيل يقدر في الكلام مثل، وقيل: ويقدر ولا تكونوا أول كافر وآخره.
وقيل: {أَوَّلُ} زائدة، والكل بعيد، وبحمل التعريض على سبيل الكناية يظهر وجه التقييد بالأولية، وقيل: إنها مشاكلة لقولهم: إنا نكون أول من يتبعه، وقد يقال: إنها بمعنى السبق، وعدم التخلف فافهم.
{وَلاَ تَشْتَرُواْ الله ثَمَنًا قَلِيلًا} الاشتراء مجاز عن الاستبدال لاختصاصه بالأعيان إما باستعمال المقيد في المطلق كالمرسن في الأنف أو تشبيه الاستبدال المذكور في كونه مرغوبًا فيه بالاشتراء الحقيقي، والكلام على الحذف أي لا تستبدلوا بالإيمان بآياتي، والاتباع لها حظوظ الدنيا الفانية القليلة المسترذلة بالنسبة إلى حظوظ الآخرة وما أعد الله تعالى للمؤمنين من النعيم العظيم الأبدي، والتعبير عن ذلك بالثمن مع كونه مشتري لا مشتري به للدلالة على كونه كالثمن في الاسترذال والامتهان، ففيه تقريع وتجهيل قوى حيث إنهم قلبوا القضية وجعلوا المقصود آلة والآلة مقصودة وإغراب لطيف حيث جعل المشتري ثمنًا بإطلاق الثمن عليه، ثم جعل الثمن مشترى بإيقاعه بدلًا لما جعله ثمنًا بإدخال الباء عليه فإن قيل: الاشتراء بمعنى الاستبدال بالإيمان بالآيات إنما يصح إذا كانوا مؤمنين بها ثم تركوا ذلك للحظوظ الدنيوية وهم بمعزل عن الإيمان، أجيب بأن مبنى ذلك على أن الإيمان بالتوراة الذي يزعمونه إيمان بالآيات كما أن الكفر بالآيات كفر بالتوراة فيتحقق الاستبدال، ومن الناس من جعل الآيات كناية عن الأوامر والنواهي التي وقفوا عليها في أمر النبي صلى الله عليه وسلم من التوراة والكتب الإلهية أو ما علموه من نعته الجليل وخلقه العظيم عليه الصلاة والسلام، وقد كانوا يأخذون كل عام شيئًا معلومًا من زروع أتباعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا إن بينوا ذلك لهم وتابعوه صلى الله عليه وسلم أن يفوتهم ذلك فضلوا وأضلوا، وقيل: كان سلوكهم يدرّون عليهم الأموال ليكتموا ويحرفوا، وقيل: غير ذلك، وقد استدل بعض أهل العلم بالآية على منع جواز أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى والعلم، وروي في ذلك أيضًا أحاديث لا تصح، وقد صح أنهم قالوا: يا رسول الله أنأخذ على التعليم أجرًا؟ فقال: «إن خير ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله تعالى» وقد تظافرت أقوال العلماء على جواز ذلك وإن نقل عن بعضهم الكراهة، ولا دليل في الآية على ما ادعاه هذا الذاهب كما لا يخفى والمسألة مبينة في الفروع.
{وإياى فاتقون} بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن الاشتراء بآيات الله تعالى الثمن القليل والعرض الزائل، وإنما ذكر في الآية الأولى {فارهبون} [البقرة: 0 4] وهنا {فاتقون} لأن الرهبة دون التقوى فحيثما خاطب الكافة عالمهم ومقلدهم وحثهم على ذكر النعمة التي يشتركون فيها أمرهم بالرهبة التي تورث التقوى ويقع فيها الاشتراك، ولذا قيل الخشية ملاك الأمر كله، وحيثما أراد بالخطاب فيما بعد العلماء منهم، وحثهم على الإيمان ومراعاة الآيات أمرهم بالتقوى التي أولها ترك المحظورات وآخرها التبري مما سوى غاية الغايات، وليس وراء عبادان قرية. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} قِيلَ إنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ قَبِيحًا مِنْ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مَنْهِيًّا عَنْهُ الْجَمِيعُ أَنَّ السَّابِقَ إلَى الْكُفْرِ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ فَيَكُونُ أَعْظَمَ لِمَأْثَمِهِ وَجُرْمِهِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} وَقَوْلِهِ: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ كِفْلًا مِنْ الْإِثْمِ فِي كُلِّ قَتِيلٍ ظُلْمًا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». اهـ.

.فائدة جليلة وفريدة:

فخر الإِسلام الذي كان من كبار قساوسة المسيحيين، وتتلمذ عند علمائهم حتى حاز مراتب كبيرة في الدراسات الكنسية- يتحدث في مقدمة كتابه أنيس الأعلام عن انتقاله من المسيحية إلى الإِسلام فيقول:
بعد بحث طويل وعناء كبير وتجوال في المدن، عثرت على قسيس كبير متميز في زهده وتقواه، كان يرجع إليه الكاثوليك بما فيهم سلاطينهم، تعلمت عليه زمنًا مذاهب النصارى، وكان له طلاب كثيرون، ولكنه كان ينظر إليّ من بينهم نظرة خاصة، وكانت كل مفاتيح البيت بيدي، إلا مفتاحًا واحدًا لغرفة صغيرة، احتفظ به عنده.... وفي يوم اعتلّت صحة القسيس، فقال لي: قل للطلاب إني لا أستطيع التدريس اليوم. حينما جئت الطلاب وجدتهم منهمكين في نقاش حول معنى فارقليطا في السريانية، وپريكلتوس في اليونانية... واستمر بينهم النقاش، وكل كان يدلي برأيه.... بعد أن عدت إلى الأستاذ سألني عما كان يدور بين الطلاب، فأخبرته، فقال لي: وما رأيك؟ قلت: اخترت الرأي الفلاني.
قال القسيس: ما قصّرت في عملك، ولكن الحقّ غير ذلك؛ لأن حقيقة هذا الأمر لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، وقليل ما هم. أكثرت في الإلحاح عليه أن يوضح لي معنى الكلمة. فبكى بكاءً مرًّا وقال: لم أخف عليك شيئًا... إن لفهم معنى هذه الكلمة أثرًا كبيرًا، ولكنه إن انتشر فسنتعرض للقتل! فإن عاهدتني أن لا تفشيه فسأخبرك... فأقسمت بكل المقدسات أن لا أذكر ذلك لأحد، فقال: إنه اسم من أسماء نبي المسلمين، ويعني أحمد ومحمّد.
ثم أعطاني مفتاح الغرفة وقال: افتح الصندوق الفلاني، وهاتِ الكتابين اللذين فيه، جئت إليه بالكتابين وكانا مكتوبين باليونانية والسريانية على جلد، ويعودان إلى عصر ما قبل الإِسلام.
الكتابان ترجما فارقليطا بمعنى أحمد ومحمّد، ثم أضاف الأستاذ: علماء النصارى كانوا مجمعين قبل ظهوره أن فارقليطا بمعنى أحمد ومحمّد، ولكن بعد ظهور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، غيّروا هذا المعنى حفظًا لمكانتهم ورئاستهم وأوّلوه، واخترعوا له معنى آخر لم يكن على الإِطلاق هدف صاحب الإِنجيل.
سألته عما يقوله بشأن دين النصارى؟ قال: لقد نسخ بمجيء الإِسلام، وكرر ذلك ثلاثًا، ثم قلت: ما هي طريقة النجاة والصراط المستقيم في زماننا هذا؟ قال: إنما هي باتباع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وهل التابعون له ناجون؟
قال: إي والله، وكرر ذلك ثلاثًا.
ثم بكى الأستاذ وبكيت كثيرًا ثم قال: إذا أردت الآخرة والنجاة فعليك بدين الحق... وأنا أدعو لك دائمًا، شرط أن تكون شاهدًا لي يوم القيامة أنّي كنت في الباطن مسلمًا، ومن أتباع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم... وما من شك أن الإِسلام هو دين الله اليوم على ظهر الأرض.
وكما يلاحظ فإن هذه الوثيقة الهامة تصرّح بما فعله علماء أهل الكتاب بعد ظهور نبي الإِسلام صلى الله عليه وآله وسلم من تحريف لتفسير اسم النّبي وعلاماته، تحقيقًا لمصالحهم الشخصية. اهـ.